سجل العام الدراسي الجامعي في الجزائر 2021/2022 عودة العديد من المسؤولين السياسيين والإداريين، إلى مقاعد الدراسة منهم وزراء سابقون في الحكومة الذين اختاروا مواصلة تحصيلهم العلمي في تخصصهم.
وكان ملاحظا عودة شخصيات رسمية كانوا إلى وقت قريب يحملون الحقيبة الوزارية، يتجولون اليوم في ساحات الجامعات في الجزائر خاصة في كليات العلوم السياسية، وذلك من دون أدنى بروتوكول أو تمييز.
وتحدث موقع "سكاي نيوز عربية" مع عدد من هؤلاء الوزراء لمعرفة الأسباب التي تدفعهم إلى هذه الخطوة، وكيف وجدوا مقاعد الدراسة بعد عقود من مغارتها، وما أهمية ذلك في مسارهم المهني والعلمي.
وفضلت تلك الشخصيات عدم نشر اسمها مقابل تقديم شهادتهم في هذا الموضوع.
وقال أحد الوزاراء، الذي كان إلى وقت قريب عضوا في الحكومة الجزائرية لموقع "سكاي نيوز عربية": "لا يوجد سن معين للعلم، الفكرة ظلت تراودني طيلة عمري، فهذه الخطوة تعزز قدراتي وتمنحني شهادة لا يعوضها أي منصب".
وأكد الوزير أنه يحرص على حضور المحاضرات ودروس الأشغال الموجهة وهو لا يشعر بالحرج إطلاقا لجلوسه إلى جانب الطلبة، كما قال: "تجمعني علاقة طيبة مع الطلبة، ونحن نشعر فعلا بأننا زملاء".
بين الرغبة ومحاربة الفراغ
ويبدو أن النظام التعليمي الجديد الذي اعتمدته الجامعة الجزائرية خلال الخمسة سنوات الأخيرة، حيث تم تطبيق نظام الثلاثة شهادات (ليسانس، ماجستير، دكتوراه) المعروف بنظام "أل أم دي"، هو الذي شجع تلك الإطارات للعودة إلى مقاعد الدراسة بغية الحصول على شهادة الماستر وحتى الدكتوراه في تخصصهم.
وبلغة الأرقام فقد بلغ مجموع عدد الطلبة الجامعيين في الجزائر أكثر من 2 مليون طالب، بزيادة غير مسبوقة من حاملي البكالوريا تجاوزت 300 ألف طالب مقارنة بالمواسم الدراسية السابقة، منهم فئة كبيرة من الإطارات السابقة.
وحسب الأستاذ في كلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر 3، الباحث توفيق بوقعدة، فإن عودة هؤلاء السياسيين لمقاعد الدراسة يعتبر شيئا إيجابيا وينم عن الرغبة المتجددة لهؤلاء في التعلم لاكتساب معارف علمية، وتجديد رصيدهم المعرفي.
وقال بوقعدة لموقع سكاي نيوز عربية: "ليس كل هؤلاء تدفعهم الرغبة في التعلم، حيث يوجد من بينهم من يريد محاربة الفراغ الذي نتج عن إنهاء مهامهم".
ويرى الأستاذ الجامعي، الذي يشرف على دراسة عدد من هؤلاء، أن البعض وجد في الجامعة المكان الوحيد لقتل الفراغ والعلاج النفسي من صدماتهم المتعددة التي واجهتهم في حياتهم المهنية والسياسية.
فرصة للطلبة الجدد
وتحولت الجامعة الجزائرية لساحة تمكن الطلبة الجدد من الاحتكاك واكتساب خبرات من تجارب هذه الإطارات السابق، وكذا مناقشة المواضيع العملية ليس من بوابة النظريات والمقاربات وإنما من باب التجارب والخبرات أيضا.
وتوفر وزارة التعليم العالي خيارات أوسع لمواصلة الدراسة، كالتعليم عن بعد من خلال التخصصات التي تقترحها جامعة التكوين المتواصل، أو إمكانية الولوج إلى الماجستير من خلال الاتفاقيات التي تبرمها الجامعات مع الشركاء الاقتصاديين، أو إمكانية الحصول على شهادة جامعية ثانية بشهادة البكالوريا الأولى (وفق شروط معينة).
ومن بين هؤلاء الموثق محمد زيتوني، الذي قرر هو الأخر العودة إلى الجامعة لدراسة تخصص والحصول على شهادة جامعية ثانية.
وقال زيتوني لموقع سكاي نيوز عربية: "الجامعة الجزائرية باتت تستقطب العديد من المسؤولين خاصة في ظل الجائحة التي فتحت المجال وبشكل أوسع لإمكانية مواصلة الدراسة عن وحتى إجراء الامتحانات الفصلية".
وأشار زيتوني الذي يواصل دراسة تخصص العلوم السياسية بكلية العلوم السياسية التي تعد الأكثر استقطابا للوزراء وكبار المسؤولين السابقين إلى أن الجامعة الجزائرية تقدم تسهيلات كبيرة للراغبين في مواصلة دراستهم والعودة إلى مدرجات الجامعة بعد انقطاع طويل.
وعين على حقائب تبون
ورغم إجماع الأساتذة على وصف عودة المسؤولين السابقين إلى مقاعد الدراسة، بالأمر الإيجابي والمشجع للطلبة الجدد، إلا أن نظرة البعض لعودة الوزراء إلى مقاعد الدراسية، لا تزال تثير بعض الأسئلة حول الأهداف الخفية التي تدفعهم لاتخاذ هذه الخطوة في هذا التوقيت بالذات.
وفي هذا الصدد أوضح أستاذ علوم الإعلام بجامعة قالمة، علي سردوك، أن عودة الوزراء إلى مقاعد الدراسة، يعد خيارا استراتيجيا لإعادة المتوقع داخل دواليب الدولة.
وقال سردوك لموقع "سكاي نيوز عربية: "تشهد الجزائر الجديد منافسة كبيرة بين السياسيين، فالملاحظ أن المناصب العليا في السنوات الأخيرة أصبحت تمنح لأصحاب الشهادات العليا دون غيرهم من السياسيين".
وأضاف: "يتبع الرئيس عبد المجيد تبون استراتيجية مختلفة في التعيينات وقد تجسد ذلك سواء من خلال حكومة رئيس الوزراء السابق عبد العزيز جراد وحتى الوزير الأول الحالي أيمن عبد الرحمن، حيث نلاحظ أن العديد من الحقائب يتم منحها لحاملي شهادة الدكتوراه في التخصص".